آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تاريخ أوتار برادش في الهند: العمارة الإسلامية، تاج محل، ومسجد بابري

 تُعدّ ولاية أوتار برادش من أبرز الولايات الهندية وأكثرها ثراءً بالتاريخ والثقافة. ويبلغ عدد سكانها نحو أربعة عشر مليون نسمة، يشكل المسلمون منهم ما يقارب خمسة ملايين، موزعين على مدنها المختلفة، ومن أشهرها الله آباد، أي مدينة الله، التي كانت قديمًا عاصمة الولاية، ومدينة أغرا التي تشتهر بوجود مدفني تاج محل واعتماد الدولة، وهما من أروع درر الفن المعماري الإسلامي في الهند.

جذور تاريخية ضاربة في القدم

يمتد تاريخ أوتار برادش إلى أكثر من عشرة آلاف عام قبل الميلاد، كما كشفت الحفريات الأثرية الحديثة. أما التاريخ المكتوب للمنطقة فيبدأ من القرن الثامن قبل الميلاد، وقد جسّدته الملحمتان الهنديتان الشهيرتان رامايانا وماهابهاراتا، اللتان وصفتا سهل الغانج الذي يشكّل قلب الولاية.

ومع بدايات القرن الثالث الميلادي، ازدهرت في المنطقة الثقافتان البوذية والبراهيمية (أو الهندوسية)، وانتشرتا على نطاق واسع حتى أصبحتا الثقافة السائدة بحلول القرن السابع الميلادي. وفي العهد الأموي، تعرّف سكان الولاية على دين الإسلام من خلال حركة التجارة التي ربطت الهند بالعالم الإسلامي.

الإسلام والمغول في أوتار برادش

شهد القرن الثاني عشر الميلادي انتشارًا أوسع للإسلام، حين دخل المغول المسلمون مدن الولاية وفرضوا سيطرتهم عليها. وفي عام 1525م تمكن السلطان المغولي ظهير الدين بابر من دخول أوتار برادش واتخذ من مدينة أغرا عاصمةً له. سعى بابر إلى نشر الإسلام، غير أنه واجه مقاومة عنيفة من الهندوس والبوذيين، إلا أنه بمساعدة ابنه همايون تمكّن من السيطرة الكاملة على المنطقة.

بدأ المغول بتشييد المساجد والمدارس الدينية، وكان من أشهرها مسجد بابري، الذي ظلّ إلى يومنا هذا محورًا لصراعٍ ديني بين المسلمين والهندوس. واستمر حكم المغول المسلمين لأوتار برادش قرابة ستة قرون، حتى احتلها البريطانيون عام 1775م. وقد أسهم المسلمون خلال تلك الفترة في بناء مدنٍ عامرة تشهد آثارها اليوم على ما بلغوه من رقيٍّ وتحضّر.

تاج محل: حكاية حب خالدة

من أبرز معالم أوتار برادش وأجمل رموزها المعمارية ضريح تاج محل في مدينة أغرا، الذي يُعدّ من أرقى نماذج العمارة المغولية، إذ يجمع بين الطراز الإسلامي والفارسي والتركي والعثماني والهندي، ويُعرف بأنه جوهرة الفن الإسلامي في الهند وإحدى روائع العالم الخالدة.

تعود قصة بنائه إلى الإمبراطور المغولي شاه جهان الذي وقع في حب الأميرة الفارسية المسلمة ممتاز محل، واسمها الحقيقي أرجمند بانو بيكم. تزوّجا عام 1612م وعاشا تسعة عشر عامًا في سعادة، حتى توفيت ممتاز محل أثناء ولادتها لطفلها الرابع عشر. وكانت وصيتها لزوجها ألا يتزوج بعدها أبدًا، وأن يُخلّد حبهما ببناء ضريحٍ فريدٍ لا مثيل له.

نفّذ شاه جهان وصيتها بحزنٍ عميق، فبدأ عام 1631م باستدعاء المهندسين والنحاتين والمعماريين من أرجاء الإمبراطورية ومن آسيا الوسطى وإيران لتصميم الضريح. واستغرق البناء نحو اثنين وعشرين عامًا، وشارك فيه أكثر من اثنين وعشرين ألف عامل وألف فيل، وبلغت تكلفته أكثر من اثنين وثلاثين مليون روبية. اكتمل البناء عام 1653م، وبعد سنواتٍ قليلة استولى ابنه أورنكزيب على الحكم ووضع والده تحت الإقامة الجبرية، ثم دُفن شاه جهان إلى جوار زوجته في الضريح نفسه، لتبقى قصتهما رمزًا خالدًا للحب والوفاء.

مسجد بابري

تُمثّل ولاية أوتار برادش صورةً مصغّرة للهند من حيث التنوع الاجتماعي والثقافي والديني، وتضم العديد من المساجد والمعابد التي تعكس هذا التنوّع. غير أن مسجد بابري في مدينة أيوديا يظلّ الأكثر شهرةً وإثارةً للجدل بسبب النزاع التاريخي حول ملكيته بين المسلمين والهندوس.

بُني المسجد عام 1528م بأوامر من الإمبراطور بابر، وظلّ المسلمون يصلّون فيه لأربعة قرونٍ متواصلة. إلا أن الخلافات بدأت عام 1855م حين ادّعى بعض الهندوس أن جزءًا من فناء المسجد يقع فوق المكان الذي وُلد فيه المعبود الهندوسي راما. واستغلّ الاستعمار البريطاني هذا الخلاف لإثارة الفتنة الدينية في الإقليم خلال ثورة 1857م.

وفي عام 1949م، قام كاهن هندوسي بالتسلّل إلى المسجد مع مجموعةٍ من أتباعه ووضع تماثيل "راما" داخله. أصدرت السلطات قرارًا بإغلاق المسجد ووضعه تحت وصايةٍ هندوسية، ومنع المسلمين من الصلاة فيه. ومنذ ذلك الوقت ظلّ النزاع القضائي قائمًا، وتحوّل المسجد إلى رمزٍ للتوتر الديني في الهند.

بلغ الصراع ذروته في السادس من ديسمبر عام 1992م، حين هاجم نحو خمسة عشر ألف هندوسي المسجد وهدموه بالكامل، في واحدة من أعنف الحوادث الطائفية في تاريخ الهند الحديث. أدان العلماء والمفكرون المسلمون حول العالم هذا الفعل، واعتبروه جريمةً كبرى بحق الإسلام ومقدساته.

ورغم تدمير المسجد، استمر النزاع في أروقة المحاكم حتى عام 2010م، حين صدر حكم بتقسيم الأرض بين المسلمين والهندوس. غير أن التوتر عاد من جديد، ومع تولي الهندوس الحكم في البلاد، أصدرت المحكمة العليا عام 2019م حكمًا نهائيًا يمنح الأرض للهندوس، مقابل تخصيص موقعٍ آخر لبناء مسجدٍ جديدٍ للمسلمين، بدعوى أن المكان الأصلي كان يضم آثار بناءٍ غير إسلامي قبل إقامة المسجد.

عن الكاتب

hilalstuff

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

في المدينة